أخبار تشاد
تاريخ دولة تشاد
يدعو التشاديون بلدهم ببلاد الرافدين الإفريقية حيث عُثر عام 1960 في المنطقة الواقعة بين نهري شاري ولوغون على بقايا الإنسان الأول المعروف بإنسان أوسترالوبيتسن تشاد Chad australopithecine مع أسنان فيل منقرض قدر عمرها بالبلاستوسين المبكر أو الأوسط في منطقة كوروتورو في جنوب شرقي البلاد، إضافة إلى انتشار الإنسان القديم ومواقعه في العصور الحجرية في حوض تشاد ومحيطه حتى وادي النيل في الشرق، كما ذكر هيرودوت الزنوج سكان مغارات جنوب فزان، وقد أغنت دراسة الرسوم الصخرية في شمالي تشاد والأدلة الشاهدة على استمرار الاستيطان منذ القدم، إذ أكد تحليل هذه الرسوم المحفورة على صفحات الصخور أنها ترجع إلى زمن سيادة مناخ مناسب لعيش الحيوانات مثل الفيل والكركدن في أجزاء من الصحراء الكبرى إضافة إلى الزرافة والظبي الضخم وغيره من حيوانات تعيش اليوم في جنوبي تشاد، رسمها الإنسان على الصخور بدقة متناهية، وتُظهر هذه الرسوم مرحلتين تاريخيتين للاستيطان، مرحلة قديمة تمثل رسومها الحيوانات المذكورة وتعود إلى القرن الخامس ـ الرابع ق.م، ومرحلة تالية أحدث، تمثلها رسوم الأبقار والثيران متداخلة مع الرسوم القديمة، وفي الحالتين رُسم الإنسان صياداً كما في وادي غونووا في جبال تيبستي. كذلك عُثر في تشاد على أشكال من الطين المحروق تعود إلى البرونز المبكر قبل نحو 3000 ق.م.
تعرض السكان الزنوج الأوائل إلى تسربات إثنية قادمة من الشمال حملت معها خصائص العناصر البيضاء والمستعربة من فزان وجنوبي ليبية، ومن الشرق من حوض النيل ودارفور، وبلغت هذه التأثيرات الإثنية أوجها بوصول الهجرات العربية ـ الإسلامية (بنو سليم) إلى شمالي إفريقية، ثم بعد القرن الرابع عشر الميلادي. ويعد أفراد قبيلة الكوتوكو في حوض بحيرة تشاد اليوم الذي كان معموراً منذ 500ق.م، أحفاد شعب الساو الزنجي القديم الذي أقام هو وأقوام أخرى حضارة دامت قروناً قرب البحيرة حتى قضت عليها ممالك القرون الوسطى.
قامت على أرض تشاد وإقليم السودان الأوسط عدة ممالك أسسها وافدون أمازيغ (بربر) قادمون من الصحراء الكبرى، دخلوها في زحفهم جنوباً بحثاً عن المرعى والماء، وقد اصطدم هؤلاء بالمزارعين الزنوج، وتمكنوا من السيطرة على الأقوام الأصلية المبعثرة، وتمازج الوافدون والسكان المحليون، وهناك الكثير من الشواهد على هجرات واسعة للأمازيغ (قبل الإسلام) باتجاه السودان الأوسط، حتى القرن الثامن الميلادي. ومن بين الممالك المذكورة برزت مملكة كانم ـ بورنو المحلية، التي بلغت أوج قوتها أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ويرجع بقاؤها مسيطرة ومزدهرة إلى تحكّمها بالمعابر الجنوبية لطرق التجارة والقوافل العابرة للصحراء الكبرى إلى سواحل البحر المتوسط. كذلك قامت في المنطقة مملكتا كانم وباغرمي اللتان عاشتا حتى بدايات القرن السابع عشر الميلادي، وفي القرن الثامن عشر استطاعت سلالة ودّاي التشادية التي كانت خاضعة لنفوذ دارفور التخلص منه، وقامت بتوسيع مناطق سيطرتها باحتلال الأجزاء الشرقية من مملكة كانم. وكانت تجارة العبيد من أهم مصادر ثروة هذه الممالك الإسلامية التي عاشت صراعات دموية وحروب أدت إلى انهيارها في القرن التاسع عشر ثم سقوطها بيد الزعيم السوداني رابح الزبير بين عامي 1883-1893، وفي هذه الأثناء كان اقتسام إفريقية بين المستعمرين الأوربيين يدخل مراحله المتقدمة، واستطاعت إسقاط حكم رابح عام 1900، وأعادت القوات الفرنسية سلالة كانمبو الحاكمة التقليدية في تشاد إلى السلطة، وأُدخلت البلاد في اتحاد إفريقية الاستوائية الفرنسية عام 1910، لكن الاحتلال الفرنسي الكامل لتشاد تأخر حتى عام 1914، وتحولت إلى مستعمرة فرنسية منذ عام 1920، ثم مقاطعة ماوراء البحار عام 1946، وفي عام 1959حُلّ الاتحاد المذكور، ومُنحت تشاد حكماً ذاتياً في مجموعة دول الكتلة الفرنسية، ثم استقلالاً ناجزاً عام 1960، وأصبحت جمهورية رئيسها فرانسوا طومبلباي. وفي عام 1965، قامت ثورة ضد النظام القائم بقيادة جبهة التحرير الوطنية التشادية والجبهة الوطنية التشادية.
كان هدف الجبهتين ومؤيديهما إطاحة الحكومة القائمة وإنهاء دور بقايا النفوذ الفرنسي وطرد الخبراء العسكريين الإسرائيليين من الجيش التشادي والتقارب مع الدول العربية في شمالي إفريقية والسودان. وعلى الرغم من مساعدة القوات العسكرية الفرنسية لقوات الحكومة التشادية، لم يتمكن التحالف الفرنسي التشادي من التغلب على الثوار الذين تمكنوا من مواجهة التحالف في جبال تيبستي وشمالي البلاد، فاندلعت الحرب التشادية الأولى، وأطيح طومبلباي وحكومته في انقلاب عسكري قام به الجنرال فليكس مالوم عام1975. وعلى الجهود التي بذلت في سبيل توسيع قاعدة مؤيدة لحكومة وطنية، منيت تلك الجهود بالإخفاق عام 1979، حين انشق رئيس مجلس الوزراء حسين حبري وانسحب من الحكومة، وقاد القوات الشمالية ضد الجيش التشادي. أعقب ذلك إعلان هدنة وإقامة حكومة وحدة وطنية انتقالية في العام نفسه، لكن الحرب الأهلية عادت فاندلعت عام 1980 وطلب فيها رئيس الجمهورية غوكوني وداي مساعدة القوات المسلحة الليبية لحفظ النظام التي تدخلت بقوة قوامها 7000جندي بقيت في تشاد حتى حلت محلها قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 1981. ولم تبق هذه القوات طويلاً فغادرتها في العام نفسه، وقام حسين حبري والفصائل الشمالية المسلحة المؤيدة له باحتلال المدن المهمة في شرقي تشاد، كما قام بتشكيل حكومة جديدة برئاسته في تشرين الثاني من عام 1981، لكن غوكوني وداي ألف حكومة معارضة في واحة برداي في تيبيستي بدعم ليبي. وفي عام 1982 احتلت القوات الشمالية العاصمة نجامينة وتشكلت حكومة جمهورية جديدة برئاسة حسين حبري الذي سيطرت قواته على كامل التراب التشادي ماعدا مساحات صغيرة في الشمال بقيت بيد قوات حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التي شنت هجمات مضادة بمساعدة القوات الليبية، استعادت فيها مساحات إضافية عام 1983 فاستعان حبري بقوات عسكرية فرنسية وزائيرية، وتُوصِّل بعد ذلك (عام 1984) إلى اتفاق يقضي بخروج الفرنسيين والليبيين من تشاد.
استمرت معاناة تشاد بعد عام 1986 حين قامت القوات التشادية والفرنسية والأمريكية بدحر القوات الليبية، واستعادت قوات حبري سيطرتها على شمالي البلاد في مطلع عام 1987، لكن حبري ظل يواجه أزمات وأخطاراً تهدد حكمه، حتى تمكنت قوات إدريس ديبي من حركة الإنقاذ الوطني التشادي من الاستيلاء على مدينة أبيشيه، ففر حبري إلى الكاميرون في العام نفسه (1990).
قام ديبي بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسته وتعليق الدستور، على أن يوضع دستور جديد وانتخابات جديدة تمت عام 1991، وصار بموجبها رئيساً رسمياً للبلاد، وقد أحبط محاولتي انقلاب ضده عام 1992، وفاز في انتخابات عام 1996 لمدة رئاسية ثانية، كما استطاع التغلب على حركات ثورية معادية لحكمه في إقليم تيبيستي.