شؤون اجتماعية

أهمية تعميق قيم التعايش والسلام والاخوة الانسانية والدينية في المجتمع

فالسلام والتعايش السلمي يعد هدفا إنسانيا واجتماعيا وغاية حياتية تسعى إليها الإنسانية لتحقيقها، وقد ازدادت الدعوات للسلام والتعايش وجعله أداة للتفاهم يجمع جميع شعوب العالم حول هدف واحد، وقد خطت الدول خطوات جبارة في سبيل جعل أمر التعايش أمر واقعا ومشاهدا وليس صعبا أو مستحيلا بسبب الوعي الديني والفكري والسياسي الذي تتميز به القيادات السياسية وتأثيرها الواضح في توجيه القيادات الدينية نحو العمل المشترك من أجل بناء عالم موحد ومستقر ومتعاون ومتضامن ومتعايش في ظل الاحترام المتبادل والتنوع الديني والثقافي الذي يشكل رصيدا للتطور والتقدم في المجتمعات.
إن التعايش كلمة مشتقة من العيش والعيش هو الحياة الكريمة السعيدة بعيدة عن كل مظاهر العنف او السطو او القهر او الظلم الذى يؤدى الى عدم العيش المشترك في المجتمع، وبالتالي نشوء الصراع وتدمير الحياة والمجتمع، فالتعايش هو نظام حياتي راقي لأنه يعمق في روح وحياة الانسان فكرة العيش المتبادل مع الآخرين القائم على المسالمة والمهادنة وتبادل المصالح والمنافع وهو طريقة إنسانية رائعة لضمان الاستقرار والحياة الكريمة لجميع أفراد المجتمع بقض النظر عن مكوناتهم الاجتماعية او الثقافية او الدينية. بأنه العيش المشترك مع الآخرين القائم على الألفة والمودة والتعاون و العمل على توفير أسباب الحياة مع الآخرين.
إن التعايش هو التفاهم والتلاقي والاحترام القائم على العيش المشترك بين جميع طبقات وفئات المجتمع، وهو في الواقع قبول الوضع الراهن في العلاقات بين الجماعات ، وهو يؤكد قيم مثل ، التسامح ،التقارب ،التكامل ،التلاقي ،التعاون التضامن، التآزر، التكاتف.
ولا يمكننا أن نعيش في هذه الارض دون وجود تعايش ، ودون وجود سلام وامن واستقرار، فالسلام أداة من ادوات تحقيق التعايش في المجتمع، إن العمل من أجل التعايش والاخوة والسلام يجب أن يكون من ضمن مبادئنا في هذه الحياة، ويجب أن نعمق فكرة التعايش والسلام في حياتنا.
فكلمة السلام كلمة طيبة جميلة ، فهي من سلم يسلم سلامة من أي ضرر كان من سلم من الآفة بالكسر سلامة وسلمه لله منها تسليما والتسليم الرضا وأسلم انقاد، والسلام حالة من الوئام والأمن والاستقرار تسود الأسرة والمجتمع والعالم ويتيح التطور والازدهار للجميع.
فالسلام اسم من أسماء الله تعالى وهو السلام المؤمن العزيز الجبار المتكبر، فالدعاء الذي نذكره عقب كل صلاة يجسد معنى السلام في الإسلام فنقول: ( اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
إن رسالة الإنسان المسلم أيها الاخوة هي في الواقع نشر قيم السلام والتعايش لان الإسلام هو دين السلام والمحبة والمودة والعطف والإحسان والرحمة بكل ذي كبد رطب، ولا يعرف في تعاليمه إلا الخير والسلام وتكريم الإنسان والسعي إلى توفير سبل الراحة النفسية والمادية للإنسان، وهكذا ينشأ أفراده معافين من أمراض الحقد والكراهية حيث يوجهون جهودهم من أجل إفشاء الأمن والسلام والطمأنينة بين أفراد المجتمع الإنساني، لتعيش الإنسانية في أمن واستقرار وتنمية وازدهار.
الكل يجب ان يسعى نحو الأمن والسلام، ولكن أين نحن من هذا السلام؟ السلام الحقيقي هو الذي يرفض الظلم والقهر والاستعلاء ويؤمن بحق الاخرين بالعيش الامن والمحترم معه، ويدخل البسمة في وجوه المعوذين، ويحرم سفك الدماء، ويرفض قتل الأبرياء من النساء والأطفال ،السلام الذى يجعل أسرة واحدة متحابة ومتعاونة ومتضامنة، عيش وسلام مبنى على القيم المشتركة والاحترام والتقدير المشترك سعيا وراء تعزيز قيم السلام والتعايش في المجتمع.
السلام الذي يبنى على المحبة والوئام والعيش المشترك، السلام الذي يشكل أساس أي حضارة وأي تقدم فهو ينبغي أن يكون قيمة إنسانية وحضارية وحياتية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية. فكيف للامة دينها واحد ويدعوها الى الاعتصام بحبل الله ،ولن تتمكن من أن تبنى سلاما في واقعها؟ قد يكون هناك صعوبة في تفكيك فكرة وأيديولوجية العنف وعدم القبول بالآخر والتعايش معه بمرجعيات فكرية اقصائية ومن ثم قد يصعب تعميم فكرة السلام وتفكيك بنية العنف والعنف المضاد وثقافته وفكره لكن ليس هناك صعب أمام إرادة الشعوب والمجتمع الإسلامي.
إن الاخوة الحقة التي بناها الاسلام يجب ان نعتمدها كمرجع ومصدر من اجل تقوية الروح الانسانية والايمانية بين الانسان واخيه الانسان وهى تعمق صلة الترابط والتراحم والمحبة بين المسلمين، وهى رابطة دينية مبنية على الحقوق والواجبات، فالأخوة في الاسلام مثل المبنى لا يمكن ان يستقيم بدون اعمدة فكذلك الاخوة الاسلامية تشكل عمادا راسخا لاستمرارية حياة الامة الاسلامية.
فالأخوة الاسلامية عقد وثيق ورابطة قوية وواجب ديني وأخلاقي وشرعي، فهي ليست مجرد شعور عاطفي عابر او علاقة اجتماعية مؤقتة، بل هي قيمة ايمانية ومسؤولية اخلاقية واجتماعية وانسانية ووطنية تربط الانسان المسلم بأخيه المسلم، فالأخوة هي حياة الروح وروح الحياة، فالأخوة صفة ملازمة للإيمان فلا ايمان بدون اخوة انطلاقا من قوله تعالى : (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات الآية 10.لا اخوة بلا تقوى ولا تقوى بلا اخوة، وفى هذا يقول المولى سبحانه وتعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين ) سورة الزخرف الآية 67.
فالأخوة الاسلامية تقوم على ركائز روحية واخلاقية وانسانية تحمى المجتمع والامة وتصونها من أي مخاطر القتل والتدمير والكراهية والحقد والخراب.
ففي اطار قيم الاخوة تزول العصبيات والاثنيات وتذوب نهائيا فوارق الجنس واللون والعرق والجاه والغنى والفقر وتتحطم كبرياء النفس وعنفوانها، وتخلص المسلم من هوى النفس والشيطان. لقوله تعالى : (انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء ويصدكم عن سبيل الله) سورة المائدة الآية، ويتحقق التكامل والتفاضل الإنساني انطلاقا من قوله تعالى: ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) سورة الحجرات الاية13، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم(أيها الناس إن ربكم واحد وأن اباكم واحد لا فضل على عربي على عجمي ولا لابيض على اسود الا بالتقوى كلكم لادم وادم من تراب إن اكرمكم عند الله اتقاكم)، وتقوم الاخوة على التضامن والتعاون والوحدة انطلاقا من قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) سورة المائدة الآية 2 وقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ).
لقد ثبت أن التنوع و الاختلاف واقع كوني وإرادة إلهية يستحيل إلغاؤها، والتعدد ضرورة اجتماعية، والمواطنة حق إنساني ، علينا أن نتعامل مع هذا الواقع بوعي يحقق التعايش السلمي في ظل التنوع والتكامل مع التعدد والتعاون في القواسم المشتركة ، عليه إذا أردنا تعايشاً سلمياً يحافظ على الوحدة على أن تكون الدولة في كل مؤسساتها مجسدة للتنوع الذي يقوم عليه المجتمع، والالتزام بحقوق المواطنة للجميع، وكفالة حرية العقيدة والعبادة للجميع، وقيام مؤسسات للعمل المشترك ، والالتزام بثوابت الوطن، والعدالة في توزيع الحقوق، والمساواة في التعامل، واحترام التميز والجودة في العمل، وانتهاج الحوار وسيلة لفض النزاعات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
إن الاسلام يثبت الحقيقة العلمية والاخلاقية والاجتماعية للتنوع البشرى ويؤكد للناس وللبشر أجمع أنهم أبناء آدم، وأنهم نشأوا من منشأ واحد، ولا فرق بينهم في التكوين البشري، وليس ما يشاهدونه من فوارق في اللغة واللون والعرق والجنس الا أنه اية من اية عظمة الخالق، ولا دخل لها في الاصل الإنساني، ولا يصح ان تكون اللغة واللون والعرق او ما يكتسبه الانسان من مال او سلطة او منعة او قوة سببا للتعالي او التجبر او العنصرية، أو أساسا للتمييز العرقي أو الاجتماعي، فالقران الكريم سجل هذه الحقيقة وخاطب بها العقل البشرى بقوله تعالى : (ومن آياته خلق السموات والارض واختلاف السنتكم والوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) سورة الروم الآية 22، وعندما نريد فهم هذه الحقيقة يخاطب القران الكريم الانسان في عدة آيات بقوله: ( يا بنى ادم لنفهم أننا أبناء آدم)، وبهذا يريد الاسلام أن يفهم الانسان أن الناس رجالا ونساء خلقوا من نفس واحدة، وأن مقاييس التفاضل فيما بين البشر بالتقوى والعمل الصالح، وبهذا يريد الاسلام ان يضع قوعد راسخة للأخوة الانسانية بين الناس الذين هم اخوة وابوهم ادم ، إنه يريد ان يشعرهم ويحسهم لئلا يتعالى بعضهم على بعض ، لذلك وضح للناس جمعاء أن الخالق العظيم كرم بني آدم جمعاء.
وعليهم أن يجعلوا من هذا التكريم سلوكا ومنهجا عاما في معاملاتهم، كأخوة متساوين في المنشأ وفى استحقاق التكريم. إننا مطالبون من أي وقت مضى للرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، انما تشهده مناطق غرب دار فور بالسودان وانعكاساتها السلبية على الامن والاستقرار في المنطقة برمتها يحتاج من الجميع الوقوف بحزم وقوة امام هؤلاء دعاة العنصرية والتفرقة بين ابناء الامة الواحدة فكلنا من ادم وادم من تراب ..
والله من وراء القصد ويهدى إلى سواء السبيل.
البروفيسور: الطيب إدريس حلولو

مقالات ذات صلة

إغلاق
إغلاق