أخبار تشاد
هل يتمتع الارهابيون بحرية التحرك حول تشاد؟
أعلن تنظيم داعش سيطرته على مدينة كانغاروا الإستراتيجية (شمال شرق نيجيريا) منذ عدة أيام، مرفقا ذلك بفيديو يظهر الجهاديين وهم يرومون في شوارع المدينة. بغض النظر عن أهمية المدينة نسبة لموقعها الجغرافي في وسط الحدود ما بين نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون، يظهر أن الجهاديين ما زالوا يتمتعون بحرية تحرك ملحوظة حول بحيرة تشاد، على الرغم من الانقسام الحاد ما بين جماعتي أبو بكر الشكوي وأبو مصعب البرناوي، فضلا عن الضغط العسكري الكبير.
كان مقطع فيديو لا تتعدى مدته دقيقة وعشر ثوان أكثر من كاف لإظهار سيطرة جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية لغرب أفريقيا” على مدينة كانغاروا (شمال شرقنيجيريا)، حيث أفادت عدة مصادر وشهود أن الجهاديين يجولون شوارع المدينة مشيا مدججين بالسلاح أو في سيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة من عيارات مختلفة وبغالونات وقود تشير لقطعهم مسافات كبيرة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الجهاديون هذه المدينة، إذ دخلتها “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” المعروفة بـ”بوكو حرام” عدة مرات أهمها عام 2013. وبحسب مصادر خاصة ما زال الجهاديون يسيطرون على المدينة على الرغم من حملة قصف عنيفة تتعرض لها المنطقة من قبل القوات الحكومية.
وكان فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب أفريقيا قد نشر مؤخرا عددا من الإصدارات تظهر تمكنه من مناطق عدة في منطقة بحيرة تشاد الإستراتيجية، وذلك ليس فقط على المستوى العسكري، إذ باتت عملياته ضد القوات الحكومية لا تقتصر على الكر والفر بل على السيطرة واستعمال أساليب عسكرية، تبدأ بالدعم المدفعي للقوات المهاجمة وتنتهي بالعمليات الانتحارية لخرق الدفاعات الأولية، مرورا باستعمال سلاح المدرعات والدبابات التي يسيطر عليها الجهاديون لدى دخولهم الثكنات والمواقع المستهدفة.
وبذلك ومنذ عدة أشهر يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” دخل مرحلة غير مسبوقة من التوسع ومن الحرية في الحركة، ذلك على الرغم من تأكيد السلطات على اختلافها وفي مختلف الدول المعنية على أن الأوضاع تحت السيطرة وأن الجهاديين في مرحلة انكماش وتراجع. وقد تبنى التنظيم منذ أسابيع قليلة عملية اغتيال في الكاميرون، علما أنه تبنى عملية انتحارية في عاصمة تشاد نجامينا ضد مركز للشرطة عام 2015.
من جماعة أهل السنة والجهاد إلى ولاية غرب أفريقيا
تشكلت “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” عسكريا عام 2009 في منطقة المثلث الحدودي المذكور كما غابة سامبيسا، وبعد فترة من التجاذبات الداخلية التي تلت مقتل المؤسس محمد يوسف، تمكن أبو بكر الشكوي من استلام القيادة عام 2010. واشتهرت الجماعة بعد عمليات خطف فتيات شيبوك المسيحيات والتفجيرات الانتحارية التي كانت تقوم بها نساء في الساحات العامة والأسواق.
وأساس قيام الجماعة، والتي كانت تشكيلا سياسيا في بادئ الأمر، يعود لمحمد يوسف في عام 2002. إلا أنه بعد فترة من العمل السياسي والاجتماعي بموافقة ومباركة السلطة المحلية، على الرغم من المواقف المنتقدة للديمقراطية والدعوة لإقامة الشريعة، ودعم الجماعة سياسيا لعدد من المرشحين وعلى رأسهم حاكم ولاية بورنوعلي مودو شريف، اشتعلت المواجهة العسكرية مع الأخير في صيف 2009 وأدت لمقتل المؤسس في قبضة قوات الأمن بعد الإمساك به في مدينة مايدوغوري النيجيرية ومواجهة دامية وقع ضحيتها المئات من الجهاديين والعسكريين والمدنيين.
تطورت حالة الجماعة لتصل عملياتها إلى نوع من الذروة كما ونوعا عام 2013. ولكنه على الرغم مما تواتر حول دخولها مناطق المواجهة مع الجيش الفرنسي شمال مالي إلى جانب “الموجاو” و”القاعدة”، فإن ذلك لم يتعد وصول بعض المقاتلين بطريقة فردية وغير تنظيمية في منطقة حدودها المرسومة ليس لها ترجمة فعلية على أرض الواقع. فجماعة الشكوي كانت منفرة حتى لـ”القاعدة” التي لطالما فضلت وضع مسافة معها. ذلك إلى أن صعد نجم تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا الذي أعلن قيام “الخلافة” صيف 2014، فما كان من الشكوي إلا أن توجه بطلب لمبايعة أبي بكر البغدادي.
فرار المدنيين من مايدوجوري هربا من بطش جماعة “بوكو حرام”
كان لنا تواصل مع أحد المشايخ الذين عملوا على رفع الرسائل وتقريب وجهات النظر ما بين الجماعتين في تلك الفترة. وبحسب هذا المصدر، فإن المبادرة كانت من الشكوي. وقال إن “التواصل بدأ أواخر صيف 2014، أي بعد أيام من إعلان الخلافة، وإنه بعد أخذ ورد كان هنالك جدول شروط وضعه البغدادي وأعوانه يتطرق لعدة أمور أهمها الشرعية، إذ يوافق الشكوي على أن يمتثل لمنهج ما سيُعرف لاحقا باللجنة المفوضة وأن يعود لها في الأمور العقدية على أن تكون له حرية التحرك الميدانية. كما اشترط عليه وقف العمليات التي تقوم بها نساء وإيقاف الإصدارات التي تظهر مختطفات”.
وأضاف المصدر: “هذا أمر مهم، إذ اشتُرط على الشكوي الامتناع عن الظهور في الإصدارات وتعيين ناطق رسمي لهذه الغاية، كما وجوب مرور أي إصدار أو بيان أو صورة بالمؤسسات الرسمية كالفرقان أو غيرها باسم ولاية غرب أفريقيا”.
بذلك استفاد الشكوي من هالة “الخلافة” فيما أصبح لتنظيم “الدولة الإسلامية” موطئ قدم في قلب القارة الأفريقية.
وقبل الشكوي هذه الشروط وبدأت ترد معلومات حول قرب قبول بيعته منذ بداية شهر فبراير/شباط 2015 والتي ظهرت للعلن في الشهر التالي، ولم يتأخر البغدادي في قبولها رسميا. هذه البيعة يمكن اعتبارها رمزية، فليس هناك أي دليل لوصول دعم مالي من التنظيم، كما كان الحال مثلا بالنسبة إلى الدعم المالي الذي حظي به الجهاديون المبايعون من الفلبين، أو لوصول قيادات أو مقاتلين من الذين تمرسوا في سوريا والعراق، كما كان الحال في ليبيا مثلا مع وصول أبو نبيل الأنباري وهو من قيادات الصف الأول، أو غيره. إلا أن ما كان ملحوظا كان تطور العمل العسكري من الناحية التكتيكية هجوما، دفاعا ومناورة كما في التنسيق ما بين المهاجمين والدعم المدفعي مثلا، هي أشياء تفصيلية لكن المراقب لا يمكنه إلا وأن يلاحظ قفزة نوعية لدى مقاتلي الشكوي بعد البيعة. والأرجح أن يعود ذلك لتناقل خبرات أصبح ممكنا بسبب سهولة التواصل غبر المواقع الإلكترونية التي لم تكن متاحة قبل.
الشرخ
إلا أن الأمور لم تستمر على ما كان مخططا له، فالأسباب التي أبعدت الشكوي عن “القاعدة” هي نفسها التي ألقت بظلالها على العلاقة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”. فدب الخلاف وتم فصل الشكوي بداية صيف 2016، وأُعلن ذلك عبر جريدة “النبأ” التابعة للتنظيم، وفي نفس السياق تم تعيين أبو مصعب البرناوي، الناطق باسم الولاية، واليا عليها. والبرناوي ليس إلا نجل محمد يوسف مؤسس “جماعة أهل السنة والجهاد”، ما أعطاه ويعطيه سطوة معنوية لا يمتلكها الشكوي المعروف بتصرفاته الغريبة والتي كانت الدافع الأساسي لاشتراط منعه من الإعلام كما هو مذكور سابقا.
لم يكن هنالك من تفسير رسمي لأسباب الفصل، إلا أن نفس المصدر الذي كان يعمل على إنجاز البيعة أفادنا بتسجيلين صوتيين، مدتهما الإجمالية لا تتعدى تسع دقائق، وفيهما صوت الشكوي متحدثا بلغة الهوسى المحلية إلى جمع من الأشخاص فيما يرجح أنها جلسة خاصة، وهو يعيب على طريقة وأسباب فصله. وأبرز ما يقول (في التسجيلين) إنه “من واجبه رفض فصله”، كما يعرض سبب الخلاف وهو “تصنيفه جميع المسلمين المقيمين تحت حكم سلطة وضعية كمرتدين” وأمره أن “يغير في موقفه” مع ما يتناسب مع موقف تنظيم “الدولة الإسلامية”، أي أنه لا يجوز تكفيرهم ما لم يعاونوا في المجهود الحربي ضد الجهاديين. والتكفير ومواضع جوازه هو نقطة اجتهاد وخلاف في صفوف التنظيم ليومنا هذا.
لكن فصل الشكوي، وبحسب نفس المصدر، جاء أيضا بعد أن “ثبت أنه أمر باغتيال عدد من القيادات العسكرية داخل فصيله، في سياق نوع من الصراع على السلطة، كما أحد الشرعيين الذي نتحفظ عن ذكر اسمه، ومنها خلال صلاة العيد. فضلا عن رفضه المثول أمام محكمة لبت الأمور، وما لبث أن غادر مع عدد من الموالين له”.
وما هو مؤكد أنه لم تحصل مواجهات تذكر ما بين “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” التي أعاد إحيائها الشكوي بعد فصله، وجماعة البرناوي، وقد يعود ذلك لنوع من الفصل الجغرافي بين مناطق عمل كل واحدة منهما، إذ تعمل الأولى في غابة سامبيسا ومحيطها فيما الثانية تنشط بمحيط بحيرة تشاد.
وبات في المثلث الحدودي فصيلان جهاديان، عدد مقاتلي البرناوي يرجح أن يصل إلى 3500 مقاتل بينما فصيل الشكوي يقدر بحوالي الألف مقاتل. لا يعملون يدا بيد لكنهم يصولون ويجولون ويحكمون ويقتاتون في مناطق كان من المفترض أن تكون تحت سيطرة القوات الحكومية.
تشاد تواجه نزاعات على كافة حدودها
تواجه دولة تشاد التي تمتد أراضيها على الشريط الساحلي الصحراوي بوسط افريقيا وحليف الغربيين في الحرب على التطرف الاسلامي، تحديات عسكرية على كافة حدودها، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر فتحت تشاد جبهة جديدة في جبل تيبستي (شمال) من خلال عملية ضد متمردين تشاديين قدموا من ليبيا ومتمردين من قبائل التبو الذين يشكلون أغلبية في شمال تشاد، وعزز الجيش بقوة انتشاره في المنطقة انطلاقا من قواعده في فايا لارغو وتانوا ودوير، بحسب مصادر عسكرية. بحسب فرانس برس.
وفي غرب البلاد في منطقة بحيرة تشاد، تكافح نجامينا منذ 2015 فصيلا لبوكو حرام تابعا لتنظيم الدولة الإسلامية، وقال ريشار مونكريف مدير وسط افريقيا في مركز الازمات الدولية إن “هجمات بوكو حرام على الاراضي التشادية تراجعت خلال اربع سنوات، إلى أن لاحظنا تناميا لها منذ تسعة أشهر”.
وفي تشرين الاول/اكتوبر قتل ثمانية جنود في مواجهة مع مجموعة جهادية نيجيرية في كايغا كينجي القاعدة العسكرية التشادية في بحيرة تشاد، والجيش التشادي يشارك في القوة المشتركة المتعددة الجنسيات المدعومة من دول غربية والتي تشمل اربع دول هي تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، وفي شرق تشاد تنشط قوة مشتركة أخرى تشادية سودانية كانت ثمرة تقارب 2010 بين البلدين اللذين كانا يتواجهان من خلال متمردي كل بلد في البلد الاخر.
توتر شديد في الشرق
في 2008 كاد متمردون تشاديون قدموا من درافور (جنوب السودان) أن يطيحوا الرئيس التشادي ادريس ديبي بهجوم على نجامينا، وبحسب مصادر مقربة من المتمردين فان هؤلاء باتوا اليوم أضعف من أن يشكلوا تهديدا لسلطات تشاد.
لكن التوتر يبقى شديدا في شرق البلاد حيث تزايدت الهجمات في منطقة وداي من “شبان عرب رحل تشاديين (..) كانوا جندوا في السودان ضمن مليشيات الجنجويد”، بحسب جيروم توبيانا الخبير في شؤون تشاد والسودان.
والجبهة الاخيرة في تشاد تقع في الجنوب على الحدود مع جمهورية افريقيا الوسطى البلد الذي تسيطر مجموعات مسلحة على مساحة كبيرة من أراضيه.
وكانت جمهورية افريقيا الوسطى وجنوب تشاد، أوتا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حركات سياسية وعسكرية تشادية كبيرة.
واليوم يبدو التهديد أقل قوة لكن نجامينا لا زالت تراقب في هذه المنطقة بعض المتمردين التشاديين التابعين لاتحاد القوى من اجل التغيير والديمقراطية بقيادة آدوم يعقوب اضافة الى مجموعات من قبائل الفولاني.
واتهمت نجامينا بأنها زعزعت استقرار بانغي من خلال مساعدة تمرد سيليكا ذي الاغلبية المسلمة في الاطاحة بنظام الرئيس فرنسوا بوزيزي في 2013، وتدعم دول غربية ترى في نجامينا حليفا ضد “الارهاب”، المجهود العسكري لتشاد التي تنشر أيضا جنودا في مالي.
هشاشة داخلية
منحت الولايات المتحدة قوات الامن التشادية 135,5 مليون دولار بين 2015 و2017، بحسب القيادة الاميركية لافريقيا (افريكوم)، وتشاد المستعمرة الفرنسية السابقة، هي أيضا حليف تاريخي لباريس التي كانت دعمت وأنقذت ديبي أثناء هجوم المتمردين القادمين من الشرق في 2008، وتؤوي تشاد عسكريين فرنسيين وتجهيزات جوية تابعة لعملية برخان ضد الجهاديين، اضافة الى قيادة قوة مجموعة الساحل (تشاد ومالي وموريتانيا وبروكينافاسو والنيجر) التي تحارب “مجموعات مسلحة ارهابية”.
ويفترض أن تساهم تشاد بعشرة ملايين يورو في تمويل هذه البادرة الاقليمة الجديدة، المدعومة من فرنسا، ورأى مونكريف ان تشاد التي “تفرط في نشر” جيشها، تعاني من صعوبات اقتصادية خطيرة تشكل عامل “هشاشة داخلية”.
وبسبب نقص تنويع الاقتصاد وسوء ادارة الموارد النفطية والديون لدى عملاق تجارة المواد الاولية غلينكور، غرقت تشاد البلد الفقير في أزمة زاد من حدتها تراجع اسعار النفط قبل ثلاث سنوات، وتسبب اجراءات التقشف التي بدأت في 2016 في عدة اضرابات بين الموظفين الذين فقدوا ثلث مواردهم منذ 2016، وبلغت نسبة سوء التغذية الحاد “مستويات مفزعة في العاصمة” في 2018، بحسب منظمة اطباء بلا حدود. وتم تقليص ميزانية وزارة الصحة بأكثر من 50 بالمئة في أربع سنوات.